مستقبل الصحافة الورقية وتأثرها بظهور الإعلام الإلكتروني


مستقبل الصحافة الورقية وتأثرها بظهور الإعلام الإلكتروني:


بالرغم من أن الإعلام الإلكتروني في المنطقة لم يتطور بنفس الشكل الذي وصل إليه الإعلام المثيل في الدول الغربية، فإنه لا يمكن إنكار تأثيره على الصحافة المطبوعة؛ حيث يرى بعض خبراء الإعلام أنه في الوضع الحالي يمكن لأي مؤسسة إعلامية التحدث بأنها مؤسسة مطبوعة وغيرها مؤسسة إلكترونية؛ ولذلك فإن الإعلام واحد، ويمكن النشر على أكثر من طريقة؛ سواء عن طريق النشر الإلكتروني، التلفزيوني، الإذاعي، أو عن طريق الصحافة المطبوعة، فالهدف الأساسي يكمُن في تحسين المادة، وسواء كنا صحافة مطبوعة أو صحافة إلكترونية، فإن المادة في النهاية هي التي تحدد مَن الذي على مستوى الجودة؛ لأنه ما فائدة الإعلام الإلكتروني إذا كانت المادة سطحية وغير مفيدة للقارئ؟

ولذلك فإن المادة المطبوعة على ورق أو المادة الإلكترونية، هي التي تحدد هُويَّتك ورسالتك، وهي التي تحدد مستوى المؤسسة الفلانية بباقي المؤسسات الأخرى.

الهدف أنه إذا كانت لدينا مادة ولم نستطع خدمتها في الورق، فإنه يمكن لنا الاتجاه إلى قنوات نشر أخرى، مثل حاجتنا إلى خبر يتضمَّن مقطع فيديو توضيحيًّا، وإذا كنا بحاجة إلى تدعيم الخبر، فإنه يمكننا نقله إلى الموقع الإلكتروني؛ لإرفاق الفيديو معه، وفي النهاية هذا كله يتعلق بمدى حاجتنا، بمعنى أنه يجب أن يكون التوسع في الإعلام الإلكتروني يوازي حاجتنا وخصوصيتنا ورسالتنا الإعلامية، ولذلك تحفظ الخبراء على موضوع الصحافة المطبوعة والصحافة الإلكترونية بمعنى الفصل، فالصحافة هي نفسها الصحافة، لكننا نتوسع، وهناك مجالات للنشر؛ سواء الإلكتروني، أو غير ذلك.

ثم إننا نتحدث عن التأثير على الصحافة المطبوعة، فالمؤسسات لن تتأثر إذا حاوَلت أن تكون مؤسسات إعلامية في الأساس؛ سواء كانت مؤسسة إعلامية مطبوعة، أو إلكترونية، والمؤسسة الإعلامية المطبوعة إذا كانت ناجحة على الورق، فإنها ستنجح إلكترونيًّا، والمؤسسة التي تراوح على الورق ستراوح إلكترونيًّا؛ لأن هذا يعتمد على المادة والرؤية والمستوى المهني لدى القائمين على أي مؤسسة كانت.

وينفي البعض الآخر أن يكون هناك تأثير مباشر، فلا يوجد هناك مؤسسات عربية مطبوعة أغلقت أبوابها بسبب الإعلام الإلكتروني، بل على العكس، هناك مؤسسات توسَّعت ولديها قراء خارج نطاق الحدود، بسبب الإعلام الإلكتروني، وهناك مؤسسات استثمرت الملايين في الإعلام الجديد، وهناك عائد يضاف إلى عائد الإعلان الورقي، ألا وهو عائد الإعلان على شبكة الإنترنت.

كذلك ما زال من المبكر جدًّا الحديث عن تأثيرات ملموسة يمكن إحصاؤها، خاصةً وأننا في منطقة لا تزال فيها الصحافة المطبوعة هي السائدة، وهذا عكس الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة؛ إذ هناك مؤسسات ورقية عريقة جدًّا أغلقت، وبدأت تنشر على الإنترنت، وهذا الاتجاه للإنترنت يعود إلى توفُّر وتقدُّم هذه التقنية، وربما بسبب كبر المساحة الجغرافية للبلد، ووصول شبكة الإنترنت إلى أغلب الناس، وهناك مؤسسات مثل (تروبيون) أغلقت الكثير من صحفها، وأول صحيفة أغلقت هي (سياتل هيرالد) التابعة لـ(تروبيون)، وبالتالي اعتمدت على الإنترنت، والحقيقة هناك تأثير مباشر للإعلام الإلكتروني على الصحافة الورقية في أمريكا وأوروبا، لكن في آسيا مثل سوق الهند والشرق الأوسط، لا تزال الصحافة الورقية تحافظ على وضعها، وإذا سألنا مسؤولي الصحف، فإن هناك زيادة في الطباعة سنويًّا من 2 إلى 10%، وهذا يدل على أن هناك قرَّاءً جُددًا، وكذلك هناك مشتركون جدد ومهتمون جُدد بالصحافة المطبوعة.

ولكن التأثير المباشر قد يكون بعد 10 سنوات حينما يتوسع الإنترنت ويصل إلى دول الشرق الأوسط بنسب عالمية.

في المقابل يري د. عبدالرحمن الشمير الخبير الإعلامي، أن الإعلام الإلكتروني أصبح في الواقع منافسًا قويًّا، وشرسًا وعنيدًا جدًّا بالنسبة للصحافة الورقية، وفي اعتقادي أن الصحافة الورقية أصبحت جيلاً باتجاه الانقراض، إذا لم تتَّجه هذه الصحافة إلى التعامل مع التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة بتطوُّر وواقعية، فلم يعد الجيل الجديد يتعامل مع الصحافة الورقية، ولذلك عليها أن تتجه إلى العالم الجديد عبر تحديث المحتوى واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، وهناك الكثير من الصحف العالمية أغلقت ومنها مَن خفض أعداد موظفيه، وتوجه نحو الصحافي الشامل.

الصحف الخليجية تواجه مشكلة، وهي أنه لا يوجد الصحفي المؤهل تكنولوجيًّا، أو الصحفي المتمكن والقادر على التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، وهناك عدد بسيط يستطيعون التعامل مع مثل هذه التقنيات، ويمكن القول إن هناك جيلاً جديدًا مُقبلاً يتعامل مع (الكمبيوتر المحمول)، ولا يذهب إلى المكتبة، أو يسعى للحصول على الصحيفة المطبوعة، ويُمكنه في المقابل الحصول على الخبر من هاتفه المحمول، ومن أي مكان في العالم.

وفي اعتقاده أن الصحافة المطبوعة مهددة أمام الإعلام الإلكتروني، إذا لم تتمكن هذه الصحف من مواكبة هذا التطور عبر إنشاء المواقع وتطوير الإعلام الإلكتروني، كما تطوير البث والمحتوى، ومتابعة الخبر في نفس اللحظة، ربما يمكن القول: إن الصحافة الورقية ستلفظ أنفاسها الأخيرة في المستقبل.

كما يرى آخرون أن المستقبل للصحافة الإلكترونية والإعلام الإلكتروني، لأسباب التنافس الشديد على هذه الكعكة الإعلانية المحدودة من قبل وسائل إعلام كثيرة، وأيضًا هناك فجوة الأجيال بين كل جيلٍ وآخر، وصحافة الإنترنت تروق للأجيال الشابة، فعلى مستوى طلبتنا قليل منهم من يقرؤون الصحف، لكن كثيرًا منهم لهم حسابات في (الفيس بوك) و(التويتر)، ويتابعون الإنترنت، ولم يعد الجمهور ينتظر من المؤسسة الإعلامية حتى تعطيه المعلومة، بل أصبح هو القادر على توفير المعلومة، ولا أريد أن أقول: إن هناك حتمية تاريخية في التغيير مثلما حدث في أوروبا وفرنسا مثلاً بالنسبة للصحافة الإلكترونية، لكننا جزء من هذا العالم، وأنماط التغيير التي تمس الصحف ربما تكون أيضًا متشابهة، وبالتالي فإن التأثير في المدى البعيد ربما سيكون كبيرًا وعميقًا.


حلول مُقدَّمة للصحافة الورقية للحفاظ على مكانتها في مواجهة الورقية:
لا بد وأن تتجه الصحافة الورقية إلى التعامل مع التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة بتطور وواقعية، فلم يعد الجيل الجديد يتعامل مع الصحافة الورقية؛ ولذلك عليها أن تتجه إلى العالم الجديد عبر تحديث المحتوى واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.

بعض الصحيفة الورقية تطبع نُسختها، ويتم نشر المحتوى في موقعها الإلكتروني، وهذا لا يقدم جديدًا حينما ننقل الجريدة من ورقية إلى إلكترونية، ولكن لا بد من تحديث وتطوير الأخبار على مواقع الصحف الورقية.

البعد عن عملية النقل النصي من الصحف الإلكترونية والتميز بمادة خبرية حصرية عليها.

إتاحة مساحة كبيرة للكُتَّاب والآراء المختلفة.

التوسع في الصحافة الاستقصائية والتحقيقات التي تكشف ما وراء الكواليس.

الحفاظ على مصداقيتها التي لا تزال القارئ يثِق فيها أكثر من الإلكترونية.

تأخير عملية الطبع لتغطية آخر الأحداث التي تقع يوميًّا، والتي أصبحت تتميز في تغطيتها الصحف الإلكترونية.

التزام الحيادية قدْر الإمكان، والابتعاد عن التوجُّه والتحيُّز لملاكها؛ حتى تستطيع أن تتميَّز عن نظيرتها الإلكترونية.

 د. محمد عبدالحميد؛ الاتصال والإعلام على شبكة الإنترنت، عالم الكتب، 2007، القاهرة، ص 151 - 153. :المرجع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق