لقد شهد الإعلام العربي على مستوى تكنولوجيات الإعلام والاتصال تحولات معتبرة خلال العقدين الماضيين، وكان من أبرز ملامحها ظهور شبكة الانترنت كوسيلة اتصال تفاعلية أتاحت الفرصة أمام الأفراد والجماعات والمؤسسات للوصول إلى المعلومات وبحجم هائل وبسرعة فائقة، أو إرسالها ونشرها على نطاق واسع لم يسبق له مثيل في التاريخ. ونظرا للفرص الكبيرة المتنوعة والمتعددة الأبعاد التي أتاحتها شبكة الإنترنت للاتصال، أضحت استخداماتها المختلفة، ومنها على الخصوص الإعلامية، تمثل أحد أبرز تطبيقاتها المعاصرة. حيث تسابقت المؤسسات الإعلامية والأفراد والفئات المختلفة لاستغلال هذا المورد الاتصالي الهام في نشر وتبادل المعلومات بأشكالها المتعددة، مما أدى إلى إفراز أنماط إعلامية جديدة، وأبرزها ما يسمى بالصحافة الالكترونية أو صحافة الانترنت.
خلفية تاريخية لتطور الصحافة الالكترونية :
يرى بعض الباحثين أن ولادة الصحافة الالكترونية كان مع بداية السبعينيات، وظهور خدمة " التلتكست[1] " عام 1976، كثمرة تعاون بين: مؤسستي: and Independent Broadcasting BBC
ولقد شهد عام 1979 ولادة خدمة الفيديوتكست[2] الأكثر تفاعلية مع نظام Prestel على يد مؤسسة British Telecom Authority البريطانية. وبناءا على النجاح الذي أحرزته المؤسسات المذكورة في توفير خدمة النصوص التفاعلية للمستفيدين، دخلت بعض المؤسسات الصحفية الأمريكية منتصف الثمانينيات على هذا الخط. وبذلك بدأ العمل على توفير النصوص الصحفية بشكل الكتروني إلى المستفيدين عبر الاتصال الفوري المباشر[3].
إلا أن هاته المحاولات لم تلق النجاح المطلوب، وتكبدت خسائر مالية قدرت حينها ب 200 مليون دولار أمريكي. لذلك توقفت مشاريع هاته المؤسسات الصحفية، ويرجع المختصون البداية غير الموفقة للصحيفة الالكترونية، إلى عدم توفر تقنيات متطورة بما فيه الكفاية لتسمح بوصول غير مكلف وسهل إلى المحتوى الالكتروني، زيادة على نقص الاهتمام بهذا النوع من الخدمات الإعلامية من قبل المعلنين و المستفيدين على حد سواء. لكن مع بداية التسعينيات تطورت تقنيات النشر الالكتروني، إضافة إلى حاجة المستفيدين إلى الخدمات الالكترونية. ولقد ارتبط نجاح خدمة التلتكست باعتمادها على جهاز التلفزيون، أما نجاح الصحيفة الالكترونية في انطلاقتها الثانية فمرتبط بتوفر جهاز الحاسب الآلي وتطوره .
وتعتبر صحيفة "هيلزنبرغ إجبلاد" السويدية أول صحيفة تنشر بالكامل على الإنترنت، وتلتها صحيفة"الواشنطن بوست" الأمريكية سنة 1994 والتي قامت بإعداد نشرة يعاد تحديثها فوريا في كل مرة تتغير فيها الأحداث، مع وجود مراجع وثائقية و تاريخية و إعلانات. و قد أطلق على هذا النوع من النشر في بدايته الأولى مصطلح الحبر الرقمي.[4]
وبالتالي، وقبل نهاية التسعينيات، كانت هناك عشرات الصحف في العالم وخصوصا الكبرى منها قد سخرت إمكانيات معتبرة لتنشئ مواقع على شبكة الانترنت نظرا لقلة التكلفة والسهولة، رامية بذلك المسعى إلى توسيع آفاق التوزيع والانتشار، لتتجاوز التقييدات المالية والنقل وبصفة خاصة قيود الرقابة.
إلا أنه سرعان ما اكتشف مسيرو هاته الصحف أن النسخة الالكترونية المشابهة للطبعة الورقية لم تعد تلبي احتياجات القراء، إذ أن المستخدم يبحث عن الجديد بعيدا عن الطبعة الورقية على الإنترنت. وهكذا، بدأت الصحف بإنشاء إدارات تحري خاصة بمواقعها الالكترونية تتولى تحرير جريدة منفصلة عن النسخة الورقية.
وبالتالي، أصبحت الصحف الالكترونية منافسة للصحف المطبوعة، كما أن الأهمية المتزايدة للصحافة الالكترونية أدى إلى ظهور اتجاه آخر من هذه الصحف يتمثل في ظهور مواقع إخبارية الكترونية، تتخذ مظهر صحيفة متكاملة من حيث المضمون والمسمى. ولكن تخضع للنمط الالكتروني وهي صحف الكترونية محضة لا علاقة لها بأي صحيفة ورقية، إذ نشأت في بيئة الانترنت وحققت نجاحا كبيرا، حتى أن نجاحها شجع بعضها على الخوض في عالم النشر التقليدي الورقي، وهذا ما أصبح يعرف بعبارة " الهجرة المعاكسة ".
عوامل ظهور الصحافة الالكترونية وأسبابه :
- 1972 اكتشف راي توملينسون البريد الإلكتروني
- 1991 جامعة مينيسوتا الأمريكية تطور واجهة سهلة الاستخدام للانترنت.
- يناير 1995 إطلاق نطاق ياهو دوت كوم
- سبتمبر 1997 إطلاق عملاق البحث على الشبكة العنكبوتية جوجل
- 1998 شركة مايكروسوفت نظام التشغيل "ويندوز 98".
- 1999 صحيفة الجارديان البريطانية تطلق نسختها الإلكترونية
- فبراير 2004 إطلاق موقع "فيس بوك" لطلبة جامعة هارفارد، قبل أن يصبح الموقع الأكثر شعبية على الإنترنت حيث وصل عدد مستخدميه في 2012 أكثر من مليار شخص.
- يوليو 2006 إطلاق موقع "تويتر" الذي وصل عدد مستخدميه في 2012 أكثر من 500 مليون شخص.
- أكتوبر 2006 إطلاق موقع ونطاق ويكيليكس.
- خلال الفترة من 2000 إلى 2009 ارتفع عدد مستخدمي الانترنت في العالم من 394 مليون شخص إلى مليار و858 مليون شخص.
- في 2010 : استخدم 22 % من سكان العالم الكمبيوتر مليار شخص يستخدمون محرك البحث على الانترنت جوجل يوميا 300 مليون شخص يقرؤون المدونات ملياري فيديو يتم عرضها على موقع يوتيوب يوميا
-بلغ عدد مستخدمي الانترنت في العالم قرابة ملياري شخص (30% من سكان العالم).
- يونيو 2012 : بلغ عدد مستخدمي الانترنت في العالم حوالي 2.4 مليار شخص (34 % من سكان العالم).
- 13 ديسمبر 2012 : مجلة نيوز ويك الأمريكية تعلن إيقاف طبعتها الورقية نهائيا والاعتماد على النسخة الإلكترونية فقط.
تطور الصحافة الالكترونية العربية :
كانت عبارة عن مواقع للصحف الورقية ذاتها، وكانت هذه الصحف تنشر جزءًا من محتواها الورقي على موقعها الإلكتروني، اهذه الأسباب ظلت هذه المواقع مهملة لفترة طويلة، ولم تكن هذه الصحف تنظر بجدية إلى مواقعها, ولم يكن هناك وعي لخصائص النشر الإلكتروني على أنه ذو طبيعة مغايرة للنشر الورقي، فكانت بكل بساطة تشكل نافذة لجزء من محتوى الصحيفة الورقي لمن يصعب عليه الحصول على " الطبعة الورقية ", وحينما بدأت الصحافة تهتم بمواقعها الالكترونية فإن التطور كان منصبًا على إتاحة المحتوى الورقي ذاته والحفاظ على شكله في الصحيفة، ومن هنا ولدت نسخ الـ pdf للصحيفة ذاتها، تلك النسخ التي أتاحت توفير الصحيفة بشكلها وإخراجها الورقي على موقع الصحيفة.
إلا أن ولادة وسائل نشر أخرى عبر شبكة الإنترنت (مجموعات بريدية، منتديات ) وتخففها من الرسمية التي حكمت مواقع الصحف، وكذلك فتح باب التفاعل على أوسع أبوابه، وإتاحتها لإمكانية أن يكون كل مشارك ناشر، ولّدَ خصائص نشرية لهذه الوسائل، وكذلك ولد معها قارئ جديد قد لا يكون قارئًا للصحافة الورقية بالضرورة, هذا القارئ الالكتروني ولد ضمن سياقات وشروط قرائية مختلفة، لم تستطع الصحافة الورقية المتواجدة إلكترونيًا أن تلمسها في البداية، إلا أن ولادة المواقع الإلكترونية للوسائل الإعلامية الأخرى (القنوات الفضائية الإخبارية بشكل خاص) والذي كان شبه مستقل عن وسيلة الإعلام نفسها، وتنوع محتواه بحيث لم يعد ما ينشر فيه مقصورًا على جزء مما تبثه وسيلة الإعلام، بل إن محتوى الموقع كان يحمل قدرًا كبيرًا من المواد الإعلامية التي لا تبثها وسيلة الإعلام نتيجة تحكم وقت البث, فجاءت هذه المواقع لتشكل حلاً لهذا العامل الذي لا يمكن تجاوزه، وبالتالي أصبح الموقع أوسع من وسيلة الإعلام الأم.
كل هذا أجبر الصحافة على التعامل بجدية أكبر مع ” طبعتها ” الإلكترونية، التي لم يكن لها حتى كادر مستقل عن طبعتها الورقية، وكان التقنيون هم المسئولين عن الموقع الإلكتروني للصحيفة.
في هذا السياق، ولدت جريدة “إيلاف” وانطلقت في 21 أيار (مايو) من العام 2001 لتعلن عن نفسها كأول جريدة إلكترونية عربية، ليست مدعومة بوسيلة إعلام سابقة لها مثل الصحف الورقية والقنوات الفضائية.
بينما تعتبر صحيفة “الجزيرة” أول صحيفة سعودية تطلق نسختها الالكترونية على الانترنت وذلك في نيسان 1997م.
تطور الصحف الإلكترونية:
- تطورت الصحف الالكترونية فأصبح لها دورية صدور مختلفة في الأغلب عن الصحف الورقية.
- طورت سياستها التحريرية تبعا لتغير الجمهور وطبيعته وعاداته.
- طورت تقنياتها الخاصة مستفيدة من إمكانات الكمبيوتر وشبكة الإنترنت التي تجمع بين مميزات الصحيفة والراديو والكتاب والتلفزيون المحلي.